Elias Morcos Inistitution

لا حق ولا قانون مع الواحدية. اختلاف البشر وخلافهم ومصالحهم واتجاهاتهم وأحزابهم، هذا ما يحمل الكلي والقانون والحق ومفهوم الدولة.

لا حق ولا قانون مع الواحدية. اختلاف البشر وخلافهم ومصالحهم واتجاهاتهم وأحزابهم، هذا ما يحمل الكلي والقانون والحق ومفهوم الدولة.​

التاريخ الاقتصادي لسكان العالم

هذه هي مقدمة لإلياس مرقص لترجمته كتاب كارلو شيبولا الصادرة عام 1990 عن دار دمشق.

في يوم من هذا الشهر من هذا العام، تحديدًا في يوم 11 تموز 1978، احتفلت البشرية، بناءً على تقديرات المرجع الدولي المأذون، بولادة الطفل رقم خمسة مليار بين البشر الموجودين الأحياء.

لقد بلغ تعداد سكان العالم خمسة مليارات.

وقد كان قبل عشرة آلاف سنة حوالي عشرة ملايين. بلغ حوالى 750 مليونًا، وحوالى 1200 مليون في سنة 1850، وحوالى مليارين ونصف سنة 1950، والآن خمسة مليارات.

يوجد إذًا نمو ديمغرافي كبير جدًا.

وثمة تاريخ لسكان العالم، شعب العالم، الجماعة البشرية، وهذا التاريخ هو نمو أمة آدم في الأرض.

فالديمغرافيا ((وصف الشعب))، ((علم السكان)). ((population)) الأجنبية مفرد، وتحيل بأصلها وتكوينها على peupl شعب. ((سكان)) جمع، وتحيل بأصلها على السُكنى. المفهوم المعني هوية تعددية، تجريد كبير، يقيم وحدة النوع المادية والعددية، إذن لنقل الوجودية. يوجد الآن خمسة مليارات من البشر، أجسامً يمكن أن تُرى وأن تُعَد.

علمًا بأن هذه الوحدة قائمة على حالة، لا على شيء كتلي، مثلًا كصخرة مأخوذة في الإدراك المباشر، البشرية أفراد. الإدراك المباشر، الحسّي، يقدّم لي بشرًا أفرادًا، لا يعطيني ((البشرية))، ولا ((المجتمع)) ولا أية مقولة ((جماعية)).

و ((الستاتسطيقا)) Statistique هي ((علم الحالة))، منطق الحالة etat. إنها علم ((الإحصاء)) بحسب المصطلح العربي المتداول، الذي هو مصطلح سهل، جزئي وبدائي. إنه يحيل على فكرة الإحصاء والعد، أي على ((مبدأ)) كل ستاتِسْطيقا، أو بالأصح على بداية العمل ((الإحصائي)). لكن البداية المذكورة ليست المبدأ الحقيقي، الذي هو جذر وغاية ومسار. العد الحسابي جزء من منطق ورياضة. الستاتسطيقا منطق كلي رياضي، إنها كونية، أساسها العلمي، المنطقي والرياضي والفلسفي، والروحي، لعبة القضاء، ((الضرورة – الحظ))، الضرورة والحظ. ((نظرية الحظوظ)) حساب الاحتمالات، ما يمكن ويجب أن ندعوه علم الزهر أو منطق الزهر. هذا العلم يرتبط بباسكال وآخرين. ((طاولة الزهر)) انتقلت من الشرق إلى الغرب، ((الإفرنج)) ألغوا الطاولة، وأبقوا على ((الزهر)) وجعلوه موضوعًا لعلم، لرياضة، لآلية كونية. الفرنسيون حوّلوا ((الزهر)) إلى ((hazard))، مقولة علمية فلسفية.

إذن علم الإحصاء، الطريقة المتعاملة مع الأعداد الكبيرة، المنشئة لمتوسطات، الكاشفة لآلية توزّع وتناثر. هذا منطق كبير، غير منطق الميكانيكا الجسمية العادية وفيزياء ما قبل الجزيئات. مبدأ هذا المنطق يمكن الإفصاح عنه بالقضية الآتية: معقولية الكبائر ترتكز على عشوائية الصغائر، المعرفة العلمية كلها قائمة اليوم على مبدأ ((قوننة العشوائية))، أي الاعتراف بالعشوائية وكشف عقلها.

مصطلح السكان population هو المقولة الأولية في الستاتسطيقا التي تستعمله منهجيًا ليس عن البشر فقط، بل عن الذباب مثلًا أو عن السجائر أيضًا، في الزراعة، في الصناعة، في التقنولوجيا: علم التقنية ومنطق الاختراع.

وبطبيعة الحال، إن هذا العلم ((الإحصائي)) سيّد في الديمغرافيا، في الاقتصاد، في العلوم الإنسانية عمومًا.

يوجد تاريخ لسكان العالم، وهذا التاريخ تاريخ اقتصادي، ليس تاريخًا طبيعيًا، بيولوجيا، ((جنسيًا)). فالحيوانات أيضًا تتجامع، وتتناسل: ليس لها نموّ ديمغرافي، فيما عدا الأنواع التابعة للإنسان: يوجد حاليًّا مئات الملايين من الأبقار، مئات الملايين من الأغنام، الخ، تابعة لاختراع الإنسان، لصناعته، وإنتاجه. النوع البشري نما نموًا استثنائيًا في الطبيعة، استعمر الأرض، غيّرها وحوّلها، وأخيرًا غزا الفضاء.

إذا أمعنا النظر ودققنا المصطلحات، أمكننا اختصار العنوان: يوجد تاريخ للعالم. العالم ليس جوهرًا أصليا. فالنوع البشري حوّل الطبيعة إلى عالم، العالم غير الكوسموس. إذن يوجد للعالم تاريخ، وهذا الاختصار تكبير للمحتوى، هذا التاريخ له منطق، لأنه يوجد منطق لذلك يوجد تاريخ، وهذا الواقع جملة، كل واحد، متعدد، متناقض، مترابط.

((التاريخ الاقتصادي لسكان العالم)) وجه بارز لسكان العالم. إنه تجريدة كبيرة، تأخذ الشعب البشري تحت الإنتاج الاقتصادي. ثمة نشوء للعالم، تكوّن، تشكل، بالبشر وفاعليتهم، بعلاقة الإنسان مع الطبيعة التي هو جزء منها، متميز.

يمكن أن نقول: إن المقولة الأساس في التصور المادياني للتاريخ، تصور ماركس، هي ((إنتاج البشر اجتماعيًا لوجودهم))، أي إن البشر ينتجون وجودهم ذاته، وهذا الإنتاج اجتماعي. ((وجودهم)) هذا يعني: خبزهم، عيشهم، بقاءهم، حياتهم. هذا الإنتاج اجتماعي، قائم على التعامل بين الناس – ولا ريب أن أولى العلاقات الاجتماعية هي العلاقة بين الرجل والمرأة، إنها العلاقة الأكثر طبيعية والأكثر روحية، وهي -في منظور الاجتماعية والتاريخية، في منظور النمو واللانمو- تتخطى الطبيعيّة – الجنسية.

لئن كنت موجودًا، فهذا تابع بالتأكيد لعلاقة محددة وحدثيّة بين رجل وامرأة، لكنه تابع فوق ذلك ألف مرّة لكميات استهلكتَها وتستهلكها من اللبن والخبز واللحم واللباس والوقود وغير ذلك؛ تابع لإنتاج اقتصادي، لمجتمع وحضارة، لعائلة، لتراجع قتل الأولاد. وجودك ليس يوم ولادتك، إنتاجك ليس إنجابك. إنجابك سهل، بقاؤك أصعب بكثير، بقاؤك إنتاج دائم. هذا عن ملايين الأفراد البشريين، وعن المجتمعات، عن العالم.

((إنتاج المجتمع)) هذه الصيغة ليس معناها في المقام الأول أن المجتمع مُنتِج بل معناها في المقام الأول أنّ المجتمع منتَج لنقل: إنتاج المجتمع = المجتمع يُنتج المجتمع، الناس ينتجون المجتمع. المجتمع ليس مقولة بدهية، ليس شيئًا حصّلناه قبل آلاف السنين. و((السكان)) وجه أو جانب في هذا الواقع. أبرزه، أكثره مادّية وقابلية للعدّ. وهو تابع للمجموع، للواقع، لجملة تتخطى الديمغرافيا، بل تتخطى الديمغرافيا والاقتصاد. علمًا بأن تاريخه الاقتصادي – الثورة الزراعية، الثورة الصناعية – هو آليته الجوهرية.

موجود، هذا الشيء موجود = جاء إلى الوجود، لم يكن موجودًا، ثم صار فانوجد، ثمة منطق، آلية وآليات، سيرورة. حين تكتمل شروط شيء من الأشياء (أيا كان) حينئذ يأتي إلى الوجود، حين تكتمل تعيّنات الشيء فهو كائن، مالم تكتمل فهو (الشيء المعني) ليس المنطق قائم في الكون، الاستنتاج قائم في الكون، الاستنتاج قائم في الواقع. لذلك يمكن أن يقوم بصورة صحيحة ومجدّة في رأس البشر الذين يريدون معرفة وعملًا حقًّا. هذا الواقع نتاج العمل الإنساني، نتيجة إنتاجه. بهذا النمو للعمل الإنساني، للإنتاج، نما المنطق في رأس الإنسان، قامت فكرة السببية، العلّية، الاستنتاج، المحاكمة وغيرها.

ثمة نشوء للعالم، تكوّن، تشكُّل بفاعلية البشر، بعلاقة الإنسان مع الطبيعة التي هو جزء منها، متميّز.

وبمثل ما يقول هيغل في كتاب المنطق، إذا كنتم بـ ((العالم)) تقصدون ((الطبيعة)) فلا فائدة من هذه المضاعفة اللفظية، هذا أولًا، وثانيًا، إن الطبيعة بحاجة إلى تعيّنات أخرى لكي تصير عالمًا.

قبل ثلاثة ملايين من السنين، كانت توجد طبيعة، منظومة شمسية، أرض، مع أنواع نباتيات وحيوانيات، ثم كانت هناك أيضًا بشريات، آخرها، أعلاها، ((الإنسان العاقل))، ظهر منذ أربعين ألف سنة: حيوان قانص، مفترس.

أخيرًا، دخل هذا النوع في تحوّل حاسم، من الصيد والقطف، انتقل بين الألف العاشر، والألف السابع قبل الميلاد، إلى الزراعة وتربية الحيوان، إلى الرعاية والمكاثرة. تلك كانت الثورة النيوليتية، ظهور القرى. وطنها الأول والأشهر سورية وبلدان الشرق الأدنى.

هذا الانطلاق أعقبه وتوَّجهُ بعد حين انطلاق ثان؛ تعميق، توثيق، توسيع. ظهرت الحضارات النهرية الكبرى، بلدان الشرق الأدنى، وديان الأندوس والنهر الأصفر آسيا الوسطى، وجزيرة كريت. إنه عصر البرونز، أو النحاس فالبرونز فالحديد، قيام المدن والدول والإمبراطوريات. ندخل في ((التاريخ)). ((بعد)) الشرق، اليونان وروما. إنه العالم القديم، أربعة آلاف سنة، 3500 ق م – 500 م.

ويرتفع تعداد البشر من عشرة ملايين إلى ستين مليونًا، إلى 200 مليون وأكثر.

فالثورة الزراعية تتعمّق وتتعمّم. حيث يحصل هذا التحول، تقوم شعوب، مجتمعات، دول، وينمو تعداد البشر. وتبقى الأمور على حالها في الأماكن الأخرى، أي معظم مساحة القارات جميعًا. وفي بعض الأماكن، ينحدر تعداد السكان بتراجع الزراعة وغلبة الصحراء. ((المثال)) و ((الرمز)): ((انحدار بابل)). ((بابل)) قد تكون ألمانيا غدًا أو الآن، أو سواها، المثال الرمز يتخطى الثورة الزراعية.

في ((العصور الوسطى))، ألف سنة (500-1500)، تُواصل مناطق قديمة مسار نموّها السابق، وتدخل مناطق جديدة في المسار لأوّل مرة، وتبرز كيانات بشرية اجتماعية.

الصين، الهند، مصر، العراق، سورية وغيرها كيانات قديمة. أوروبا كيان جديد، حديث، هذا الكيان شمالي، إنه مغاير لأوروبة القديمة، الجنوبية المتوسطية، وهو أمم إقليمية مختلفة، عوالم مختلفة. في هذه القارة، تصل الحضارة إلى أقصى الشمال.

في القرون من الخامس حتى الثامن، تنهار أو تنحدر بلاد أوروبة الجنوبية – الغربية تحت اجتياح الفاتحين الجرمان وحكمهم وتوطّنهم، وتحت وطأة الحروب والأوبئة وسقوط المدن وطرق التجارة. مدينة روما ينخفض تعداد سكانها في مئة عام (ق 5 – 6) من مليون إلى ثلاثين ألف نسمة فقط. جوستنيان، إمبراطور الشرق، خاض الحب ضد الأوستروغيت في إيطاليا، لمدة 25 سنة. كان هدفه إعادة الإمبراطورية الرومانية، دولة الخلافة المسيحية، نصرة الأرثوذكسية الكاثوليكية ضد الآريوسية الأوستروغية، لكن النتيجة الفعلية الرئيسة كانت غير الهدف، ما حصل لم يكن هدف جوستنيان ولا خصومه. انتصاره كان عابرًا، استطاع لوهلة أن يستعيد أجزاء كبيرة من حوض المتوسط الغربي، أما النتيجة الكبيرة فقد كانت انحدار إيطاليا إلى المستوى الغربي العام، وأيضًا إفلاتها من عالم الروم (البيزنطينيين)، وانزياحها إلى الغرب والشمال منذ تلك البداية. أراد وأرادوا، أما التاريخ فقد أراد شيئًا آخر. التاريخ من صنع البشر، من إرادتهم. صنع البشر، عمل الناس غير إرادتهم.

من القرن الخامس حتى القرن الحادي عشر تتكوّن شعوب أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية. هذا النشوء يتواصل في القرون التالية. أراضي الصقيع والضباب والغابات والمستنقعات تتحول إلى بلاد زرع ورعي وقرى ومدن. تلك ثورة حصلت في بلاد الشرق الأدنى قبل ذلك بآلاف السنين، وهي في أوروبا تتحقق في شروط مناخية وطبيعية أقسى بكثير، لكن بشروط تقنية وحضارية متقدمة، والتاريخ الأوروبي يبدو تقدّمًا متصلًا منذ تلك البداية المتأخرة.

لكن هنا أيضًا يجب دفع التفسير بالإرادة. البشر قلّما يريدون التقدّم، وحتى حين يريدون فقد لا يكون لإرادتهم المذكورة أية فائدة. البشر يريدون العيش، البقاء. هذا ما أراده سكان فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرهم، عند تلك ((البداية)) التي هي أجيال وأجيال هو البقاء، العيش، أي ((إنتاج)) الوجود، هذا الإنتاج الذي هو كدح، فلح، طاعة وتنظيم وانضباط وخضوع. (هيغل يقول ما معناه بأن شعوب أوروبا تعلّمت الشغل بكرباج القنانة). التقدم ناتج، إنه ضرورة بقاء، الوعي جزء من العمل البشري، الشغل فاعلية واعية، هادفة. النجار يصمّم طاولة معينة، ويصنع الطاولة. المنتوج موجود مسبقًا، مثاليًا، في مخيلة الشغيل، بخلاف النحلة، بحسب ما يقول ماركس، لكن ثمة هوة بين النتائج الفردية والقريبة والمباشرة والنتائج البعيدة، الاجتماعية والطبيعية، لأفعال البشرية، بمثل قول إنغلز الذي يعرف الثورة الاشتراكية بأنها مشروع أو محاولة أو مسعى لسيطرة البشرية على النتائج البعيدة لأفعالها. النتائج، العواقب، الآثار، المفاعيل وغير ذلك. فكرة واحدة تنتمي إلى مملكة الموضوعي، مقابل الأهداف والغايات، أي الذاتي.

لا العالم جوهر أصلي، ولا أي بلد من بلدانه أو شعب من شعوبه جوهر أصلي. بل كل كائن أو كون أو كيان إنما هو آت من تكوّن. كل موجود في الدنيا والكوسموس، في العالم المدني والعالم الطبيعي إنما هو موجود لأنه انوجد وينوجد. هذا مسار، تحوّل، عمليّة.

حين يقول بعض الماركسيين إن المجتمعات جميعها انتقلت من المشاعية إلى الرق إلى الإقطاعية، وحين يناقض آخرون هذا القول، فإنهم ينسون أن المجتمعات لها تكوّن، وأن المجتمع ليس بدهية. إن إحدى مفارقات ماركسية ستالين أنها تكلمت عن الأمة بلغة التكوّن، وعدت المجتمع موجودًا، شيئًا بدهيًّا. ليس صحيحًا أنّ روسيا أو فرنسا أو السويد عرفت ((مرحلة الرق))، أولًا لأنها لم تكن موجودة في عصر الرق. عند الحديث عن بلد من البلدان، ثمة فرق كبير بين الوجود الجغرافي المحض والوجود البشري المجتمعي التاريخي الذي هو بالأحرى وجود البلد بلدًا.

آخرون، في الوسط الفكري والثقافي العربي، ينفون التقدم، ويتساءلون ((ما التقدم؟))، يتكلمون عن ((نسبية)) التقدّم. في الوعي العربي، ((النسبية)) باتت هربًا من المنطق، وعجزًا عن المفهومية. في الوجود الأمور كلها نسبيات، لكن صفة المفهوم أنها ليست الإحساس الوجودي. إذا لم يكن ثمة مطلق، فكرة المطلق، فليس ثمة مفهوم، عامّ، كلّي. إذا كان معيار التقدّم مختلفًا بين مجتمع وآخر، عندئذ فلا مجال للتكلم عن تقدم وتأخر، فالتكلم عن تقدم وتأخر يفترض مقارنة مجتمعات مختلفات، عصورًا مختلفات، حالات مختلفات. إن النسبية مقولة جدية إنما تحيل على النسبة، العلاقة، الصلة، على العقل والمعقولية. هكذا المفروض. أو هي كلمة بلا معنى، النسبية تحيل على المنطق وعلى التاريخ بوصفه منطقًا.

وفي التاريخ البشري، بصفته واقعًا ووعيًا، إن المفهوم والدولة Etat شريكان، ينموان ويتراجعان في آن معًا، كلاهما ميدان العامّ. في هذه الحيثية المزدوجة، لسنا اليوم في أفضل حالاتنا التاريخية. بحسب جان بياجه Piaget وسيكولوجية الطفل والنماء، يوجد تلازم في نمو الطفل بين المعقولية والموضوعية والاجتماعية. الطفل ينتقل إلى هذه الثلاثية في آن معًا.

ما التقدم؟

التقدم هو نموّ، والنمو هو مفهوم رياضي بسيط أولًا. التقدّم نموّ الإنتاجية، مردود الشغل البشري (نسبة كمية الناتج على كمية الشغل)، ونمو الإنتاج. هذا قبل أي شيء آخر، وهو أخيرًا – بعد إغفالنا التوسطات والجوانب والمسارات جميعها – نموّ ((حجم السكان))، أي تعداد البشر.

والعلاقة بين الحدين المذكورين، المجردين، حقيقة جوهرية، بل هي الخط العريض للواقع بصفته تاريخًا.

إذا عدنا إلى الأرقام الديمغرافية التي بدأنا بها هذه المقدمة، وإلى عرض كارلو شيبولا، أمكننا القول إن نموّ شعب العالم تابع لموجتين أو مدّين: الثورة الزراعية، الثورة الصناعية. البشرية تصل إلى 750 مليون نسمة في سنة 1750، وإلى مليارين ونصف في سنة 1950.

وإذا نظرنا إلى خريطة عالم السكان المتفاوت رأينا تطابقًا لا بأس به بين خريطة الكثافة من جهة، وخريطة الأمطار والزراعة وخريطة الصناعة من جهة أخرى: آسيا الشرقية، أوروبا الغربية، وغيرها.

الصناعة مفهوم متعدد المستويات (بالمعنى الأوسع إنه يعارض الطبيعة والطبيعي). كذلك الثورة الصناعية. بالمعنى الأوسع والأقدم، الإنسان هو ((الإنسان الصانع)): الأوسترالوبيتيك قبل مليون أو مليونين من السنين عنده صناعة، ثقافة، حضارة يدعوها الإنكليز culture والفرنسيون civilization. فهذا البشري متمايز من الحيوان. الزراعة ((فرع من الصناعة))، حديث، ومتأخر، ارتبط بـ ((الإنسان العاقل))، وهو أخيرًا يصبح أكثر فأكثر صناعة وفرعًا من الصناعة. التاريخ نموّ الصناعة والزراعة والتعامل، أي التواصل، الاختراعات تعبر القارات، الهجرة ظاهرة قديمة. لولا النقل والانتقال، لكان التقدم محالًا. ليس التاريخ ناتج لعب أدوات إنتاج وعلاقات إنتاج وبنية فوقية في مجتمع معزول وهمي. ((العالم)) غير ((المجتمع))، العالم عالم مجتمعات، حيثما نقول ((وجود)) أو ((كون)) قاصدين الكون أو الوجود خارج الفكر ومقابل الفكر، فقد قلنا: اختلاف، تخالف، تباين، تعدّد، كثرة. الهجرات والانتقالات على سطح البسيطة جزء من التعمير أو الإعمار أو الاستعمار، خط دائم في التاريخ، ملحوظ في حقبة ((ما قبل التاريخ))، في عصر الثورة النيوليتية بصورة خاصة: من الشرق الأدنى عبر الدانوب إلى الجزر البريطانية. الحصان والحديد في الشرق الأدنى تابعان لمجيء الهندو – أوروبيين. تاريخ أوروبا في العصور الوسطى هو تراكم وتكامل اختراعات مستوردة وأصيلة، أو لنقل شبه مستوردة وشبه أصيلة. فالمستورد يعدّل، يحسّن، يكيّف. وثمّة دائمًا للأصيل أصول، وثمة دائمًا قبل البداية بداية. من دون ذلك لا عقل، ننزح من المعقولية إلى ((الجوهرية)). الصين تبقى متفوقة على أوروبا في التقنولوجيا كمجموع مجرّد حتى القرن السابع عشر أو أكثر أيضًا. يمكن أن نتكلم بصدد تاريخ أوروبا عن ثورة صناعية تبدأ في القرن الثالث عشر أو في القرن السادس عشر، أو في أواخر القرن الثامن عشر مع إتمام اختراع الآلة البخارية. الثورة الصناعية بالمعنى الأوثق سبقتها ثورة زراعية، علمية وتقنولوجية، نمت تباعًا في عدد من بلدان أوروبة الغربية واكتملت في إنكلترا، وقبلها ومعها: ثورة ثقافية، يبرز فيها أو يطفو فوقها قيام الفكر العلمي الحديث.

العالم متفاوت في حيثية النمو السكاني. في سنة 1750 أوروبا تضم 16بالمئة من المجموع وآسيا 66 بالمئة وأمريكا 2بالمئة. في سنة 1850، هذه الحصص تصير 18بالمئة و62 بالمئة و5 بالمئة. وفي سنة 1950، 16 بالمئة و58 بالمئة و14 بالمئة. أمريكا تأوربت. في السنوات 1900 – 1913 مثلًا، كانت الولايات المتحدة تتلقى سنويًا حوالى مليون مهاجر، من بلدان أوروبة الشرقية والجنوبية معظمهم. أمريكا هي آخر العوالم في مسيرة طفو شعب آدم في الكون.

الثورة الصناعية تفعل مفاعيلها الديمغرافية في الانطلاق، وفي الأطراف حول المركز، على الشعوب الفلاحية.

إنكلترا في القرن الحادي عشر، في عقب تأسيسها ((النهائي)) على يد غليوم الفاتح، النورماندي الفرنسي، تعد مليونًا أو مليونين من البشر، وتصعد إلى ثمانية ملايين في أواخر القرن الثامن عشر، ثم تنمو بوتيرة كبيرة في عصر الثورة الصناعية. كذلك بلدان أوروبا معظمها بصور مختلفات.

بالمقابل، فرنسا بلد كبير جدًا في العصر الحديث، وهي تعد 25 مليون نسمة في أواخر القرن الثامن عشر. لكن نموّها بطيء جدًا في القرن التاسع عشر، ينتهي في مرحلة ما بين الحربين العالميتين، ويُستأنف بعد 1945. الحرب العالمية الأولى كانت باهظة الثمن بخلاف الثانية. ثمة فرنسيون وليس فقط ألمان ويابانيون يسجلون أن الهزيمة كانت أفضل من النصر.

روسيا تبدأ في القرن العاشر: روسيا- كييف، الحقبة المغولية، روسيا – موسكوفيا، أخيرًا روسيا- بطرسبرغ التي تبدأ مع أوائل القرن الثامن عشر، وتشهد نموًا ديمغرافيًا كبيرًا، لا سيما بعد استعادة الجنوب، وإحياء الأرض السهبيّة.

الصين كذلك؛ في القرنين 17 و 18 يصعد الصينيون تلالهم الجنوبية، يزرعونها، يعمرونها. الصين تشهد نموًّا وأزمة قبل مجيء الغرب والتدخل الإمبريالي (حرب الأفيون 1840). هذا بخلاف الحال العربية مثلًا، هنا لا يوجد نمو وأزمة نمو في القرن الثامن عشر، أو قلما يوجد شيء من هذا النوع.

أفريقيا السوداء تعرّضت لنزيف كبير: النخاسة مع أبعادها الكثيرة. أولًا النخاسة العربية التقليدية، ثم النخاسة الأوروبية في العصر الرأسمالي التجاري، ق 16، 17، 18، وهي أكبر من العربية بمرات عدة. ملايين الناس نقلوا إلى حوض أمريكا الوسطى وولايات الجنوب الأنجلو-أميركي والبرازيل وغيرها، وملايين الناس هلكوا في أفريقيا نفسها من جراء حروب النخاسة (مع الحرب الداخلية، السماسرة، اقتتال القبائل).

لا بد من وقفة عند بلادنا العربية، ولا سيما مصر وسورية والعراق.

هذه البلاد برزت منذ آلاف السنين، ممّا لا ريب فيه أن مصر التي تبني الأهرامات، في عهد المملكة القديمة، هي بلد مأهول بالسكّان. وإن الحروب الكبيرة والصغيرة الحاصلة في نطاق هذا العالم المتمدن، التي ارتبطت بأسماء سرجون وآشور بانيبال ونبوخذ نصر ورعمسيس وشوبيلوليوما، عدا صغار الملوك السوريين؛ كانت تأخذ ديمغرافية كبيرة.

والأرجح إنها، نسبة إلى عدد السكان، لم تكن أقل إبادة من الحربين العالميتين في القرن العشرين. لكنها ليست أكثر فتكًا من حروب يوليوس قيصر في بلاد الغال Gaule (فرنسا اليوم)، وهي على كل حال لا تقاس بحالات الافتراس السابقة (قتل البشر وأكل لحمهم، قتل الأولاد) التي كانت جزءًا من التوازن الطبيعي والركود الديمغرافي على صعيد النوع البشري كافة، طيلة عشرات الآلاف من السنين أو مئات الآلاف.

عصر الحديد حمل نموًا جديدًا. مصر المملكة الحديثة ربّما تعد ثمانية ملايين من البشر، ولعل العدد ازداد في عهد البطالمة، سورية الرومانية تعد سبعة ملايين.

سورية البيزنطية تعرف انحدارًا، سورية في العصر البيزنطي والأموي والعباسي تعد أربعة ملايين. تنحدر في العصر المملوكي، والعثماني بصورة خاصة، وصولًا إلى سنة 1800. آنذاك يقدّر تعداد سورية والعراق ومصر بحوالى مليون ومليون ومليونين ونصف، لكل من البلدان الثلاثة تباعًا. الأرض الزراعية تقلصت، القرى تقلصت أو اندثرت. هذا الانخفاض الديمغرافي يلخص الحال بعواملها وعناصرها. تلك آلية انحدار عامة يعزّز بعضها بعضًا. العاصمة امتصّت الأقاليم، السياسة جباية وحرب، المجتمع مجتمعات (طوائف)، الدولة دول. الحق، الملكية، القانون، العقل وغير ذلك في انحسار راعب.

من أوائل القرن التاسع عشر إلى سنة 1914، إلى منتصف القرن العشرين، ثمة حركة معاكسة، متصلة، تتسارع، وتصل إلى التفجر الحالي.

هذا العرض ليس بطبيعة الحال سوى سرد، ولم يتوخّ ((الدقة)) ولا التحليل. هدفه التذكير بالخط العريض.

توجد لا ريب في وسط الجمهور وعند بعض الكتاب الكارثيين مبالغات. هكذا مثلًا يظن بعضهم أن سورية كانت تعد في العصر الروماني عشرين مليون نسمة، ولعل بعضهم الآخر يعزو رقمًا كهذا إلى منطقة حوران وحدها! وكذلك مصر ((في عهد الفراعنة)) أو بعدهم، أو ربما في العصر الفاطمي أو الأيوبي. هذه الأرقام ضرب من المحال لا تستند إلى مصادر موثوقة بالمعايير العلمية الحديثة، وهي من ناحية المنطق المحض نصيرة الأكثر لا الأمثل، الـ maximum لا الـ optimum. أي هي ضد المنطق. فالمنطق ((علاقات))، المنطق ((قياس))، تناسب.

لكن المنحى العام مثل ما رسمناه أكيد، ومعترف به بوجه عام. من المؤكد أن مصر وسورية والعراق بلغت في القرن الثامن عشر (أو في أوائل القرن التاسع عشر بالنسبة للعراق) أسفل مسارها التاريخي الطويل. في تاريخ خمسة آلاف سنة، لم نصل من قبل إلى هذا الدرك ولا من بعد!! هذا ما يتجاهله اليوم أولئك الذين ينفون مقولة الانحطاط، ويتكلمون عن الاستعمار الغربي وجرائمه وعصره بطريقة توحي وكأنّ بلادنا كانت في عزّ قبل الاستعمار المذكور، وكأنّ ((الغزوة)) – على سبيل المثال لا الحصر – المشهودة بصفتها مفهومًا فعليًّا حتى أواخر القرن الماضي أو بعده، وكلّي الوجود، أو حالًا معلومة في الجبال والأرياف والبادية والمدن وغيرها، كانت حالًا شعرية وشاعرية. كلا، لم تكن بلادنا في عزّ والذين كافحوا ضد الاستعمار والاحتلال كانوا أقرب إلى القول: كنا في قبْر، في مستنقع. الذين يتجاهلون الانحطاط أو ينفونه مشكلتهم ليست مع الاستعمار، بل مع الحركة الوطنية، مع النهضة، مع التقدم. ولا داعي من أجل معرفة صورة ذلك العصر لقراءة فولني الفرنسي، الذي زارنا حوالي سنة 1780. تكفي قراءة سلفه وخلفه المحليَّينْ، قصدتُ: البديري الحلاق والجبرتي. يمكن أيضًا قراءة ((فردوس الكافرين))، تقرير سفير السلطان العثماني عن مملكة فرنسا حوالي 1720.

القضية أكبر من ((العثمانيين))، وقضية ((العصر العثماني)) أكبر من ((الحاكم العثماني))، إنها قضية الاجتماع البشري، قضية الأمن والقانون والملكية، قضية الإنسان والأرض، قضية الأمّة.

المسائل التاريخية كثيرة، أولها مسألة الإنسان والأرض، هل هناك تغير مناخي غير موات أصاب سورية في القرن الثالث الميلادي؟ ماذا عن ليبيا قبل ذلك؟ هل الاندفاع الزراعي في العصر الروماني أدى إلى العكس في الحقبة التالية البيزنطية؟ ثمة لعب بين الإنسان والطبيعة، الطبيعة لاعب، في هذه الحيثية، إن مصائر المشرق، منطقتنا، لفتت نظر إنغلز في مقاله عن ((دور الشغل في تحوّل القرد إلى إنسان))، في تأكيده إن الإنسان ليس سيّد الطبيعة فقط بل هو جزء منها. وكان إنغلز الشاب قد أعطى تعريفًا للثورة الاشتراكية بأنها تصالح الإنسان مع ذاته ومع الطبيعة. ثمة حدّ للبروميثيئية.

هل هناك مسيرة تجفّف في تاريخنا؟ إذا لم يقم البشر بجهد يومي ضد الصحراء، في إقليمنا المناخي نصف الجاف، أو المتوسطي وشبه المداري، أفلا تتقدّم الصحراء؟ إذا لم يكن هناك جهاد دائم ضد العدم، أفلا ينتصر العدم؟ لا في مستوى الشعور الفردي والكوسمية الفنائية، بل في مستوى الكون والتاريخ، في مصائر الأمم والشعوب! اليوم، إن مرتبة الوطن العربي على سلّم الاستقلال الغذائي لمختلف بلدان ومناطق العالم الثالث ليست جيدة والمستقبل أسوأ أيضًا.

والعالم مترابط، المسائل عالمية، الألمان يقرعون ناقوس الخطر: ألمانيا هي الغابة، انظروا الشعر الألماني، لكن الغابة تموت، ألمانيا تموت.

العصر الاستعماري الغربي كان بداية صعودنا إلى ذات، إلى شعب، وإلى أمة، كان عصر الحركة الوطنية والنهضة.

والاستعمار قد تحالف مع الآستانة والطوائف و((التراث)) ضد محمد علي باشا وإبراهيم باشا، ضد الاستقلال والوحدة والحداثة.

إن نمونا الديمغرافي تابع للمجموع، لحركة ديالكتيكية انطلقت من الغرب، وهو أولًا بأوّل تعبيرٌ عن تقدّم متنوع.

غير أن هذا النمو انتهى إلى تفجّر بالمعنى الأوثق، في الجمهورية العربية السورية مثلًا، إن معدّل النمو بلغ 3،1 بالمئة في الستينات، وهذا معناه أن تعداد السكان يتضاعف كل 22 سنة، وبلغ الآن ربّما 3،4 %.

ولقد سمعنا وقرأنا دفاعًا عجيبًا عن عظمة هذه الأرقام، ما زال يوجد عندنا أساتذة يحاربون مالتوس والمالتوسية الجديدة، واضح أنهم علماء يعرفون المالتوسية والمالتوسية الجديدة أيضًا. ويحبون الاشتراكية حبًا جمًا، لكنهم لم يسمعوا بالصين، فالصين التي أضاعت وقتًا ثمينًا ضدّ المالتوسية، انقلبت أخيرًا إلى تحديد النسل بقوّة القانون أو ربّما بالقانون وبالقوة.

عالميًا، التفجّر الديمغرافي الحاضر حاصل في العالم الثالث، عالم الفقر والتأخر والتبعية وإخفاقات كبيرة مع نجاحات صغيرة، داخل عالم تهيمن عليه الإمبريالية أو لنقل بصورة أصحّ: داخل عالم أو سوق عالمية هي برئاسة البلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة.

المسألة السكانية عنصر حاسم في دائرة، له أسباب ونتائج، هو نفسه سبب ونتيجة، مع ذلك، نذكّر بالجانب الأكثر شهرة:

في التاريخ الطويل، حركة السكان تابعة للوفيات، الولادات كثيرة، الوفيات كثيرة. التعداد العام ينمو ببطء شديد، أحيانًا لا ينمو، أحيانًا ينحدر ببطء. إذا ما جاء الطاعون قد يحصد نصف السكان دفعة واحدة، وقد لا يعوّض الشعب هذه الخسارة إلا في مدّة قرن كامل (أو أكثر أو لا يعوّضها دائمًا).

في أوروبا الحديثة، وأوروبا القرن التاسع عشر، بنتيجة تحوّل الشروط والأحوال والعادات، بنتيجة ((الثورة الصناعية)) وتحسّن الحياة والأحوال الصحية، انخفضت الوفيات خطوة خطوة، وأعقب ذلك أو رافقه انخفاض للولادات، في مسيرة متكاملة.

في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في القرن العشرين، انخفضت الوفيات دفعة واحدة إن صحّ التعبير، وذلك بفضل الأدوية المستوردة من الغرب التي هي نتاج المجتمع الآخر. الولادات لم تتبع، فانخفاضها تابع لمجموع اجتماعي واقعي كبير ليس من نوع استيراد الأدوية، كانت الولادات والوفيات بمعدليّ 5 بالمئة و4،5بالمئة أي بفرق 0،5 بالمئة. وفي غضون نصف قرن انخفض معدل الوفيات إلى 1بالمئة، ومعدل الولادات إلى 4 بالمئة، أي إن الفرق ارتفع إلى 3 بالمئة.

الأطفال يحتاجون إلى إنفاق كبير ليس عبئًا على ميزانية الدولة فقط، بل على ((ميزانية العائلات))، على ادّخار المجتمع، على التراكم والترسمل والتنمية إن نسبة العاملين من مجموع السكان في العالم الثالث أقل بكثير منها في أي بلد متقدّم. نحن ديمغرافيًا ((شعب فتي))، وهذه الصيغة مشحونة إيجابيًا عند بعض فتياننا، لسوء الحظ!

لقد بلغ عدد البشرية خمسة مليارات، أي إنه تضاعف في أقل من أربعين سنة، المتوقع أنه سيتضاعف من جديد، لكن خلال مدة قرن كامل، أو ربما أقل. إذا أخذنا القضية في تجريد الخط الرياضي، يمكن القول إننا قد عَبَرنا الذروة. الصين خفّضت ديكتاتوريًا معدل نموها الديمغرافي، ضمن برنامج شامل للاقتصاد والمجتمع. الصين خمس البشرية، ولا تنوي أن تكون خمس البشرية بعد عشرين أو خمسين أو مئة سنة، هذا أمر لا يعنيها، إنها معنية بكيف الإنسان. الانخفاض، انخفاض معدلات النمو الحالية في بلدان العالم الثالث معظمها، أمر محتوم. إنه ضرورة قضائية.

ثمة فرق بين حتمية طبيعية نتلقّاها كالزلازل والبراكين، وضرورة نأخذ وَعْيَها.

اللاذقية، 17 تموز 1987

إلياس مرقص

مشاركة:

Facebook
X
LinkedIn

Author

احصل على آخر التحديثات

تابع رسائلنا الاسبوعية