لماذا إلياس مرقص اليوم؟

لماذا "جمعية إلياس مرقص للثقافة والتنوير"؟

جاد الكريم جباعي

يوم فاتحني الصديق أبو عمار بمشروع إنشاء جمعية ثقافية أو فلسفية باسم الياس مرقص، أخرج من حقيبته دفتراً سميكاً، وراح يقرأ عليَّ فقرات مقتبسة من الياس مرقص، كأنه أراد، بقراءة تلك الفقرات، أن يقول: لهذا أتطلع إلى تأسيس هذه الجمعية. أدهشتني تلك الفقرات، كأنني أسمعها أول مرة، وكنت قد سمعت بعضها من صاحبها، وقرأتها، وقرأت غيرها، بل درستها، حسب ما أسميه “القراءة المرقصية”، أي قراءة من يتخيَّر كتاباً ذا قيمة بيداغوجية، تعليمية وتربوية، أو يكتشف هذه القيمة عرضاً، ويريد أن يتعلم. حين حاولت تفسير دهشتي، وأنا لم أفقد دهشة المعرفة ولذتها بعد، أدركت أن فكر الياس لا يُستنفد بسهولة، فلا بد من معاودته مرة تلو مرة، بروح جديدة، ورؤية جديدة في كل مرة، فقد نجده معلماً مواكباً لنا، أو محاوراً ومشاجراً خبيراً بالمشاجرة المعرفية أو “مشاجرة الكليات”.

والمشاجرة هنا من الجذر الثلاثي (شجر)، وتعني تبادل الأفكار والمعارف وزرعها والعناية بها حتى تصير أشجاراً، واحدتها شجرة المعرفة، التي سما بها الإنسان على الملائكة، وشارك الله في علمه ومعرفته. الشرط الأول لهذه المشاجرة المعرفية هو “التناصت”، وشرطها الثاني هو الحوار (ديالوغ)، الذي ينتج حقيقة هي للمتحاوين معاً (بالتثنية والجمع)، لأنها قائمة فيهما أو فيهم معاً، حسب تعبير أدغار موران. وهو، أي الحوار شرط لازم لتجديد المعرفة والثقافة، وتنميتهما. وله معنى “التبادل”، في الاقتصاد السياسي، إذ التبادل هو الذي يظهر القيمة الحقيقية للأشياء، التي يتبادلها الناس. فالحوار هو الذي يظهر القيمة الحقيقية، المعرفية والأخلاقية، للأفكار والمعارف والتصورات والرؤى و”النظريات”، وهو شكل من أشكال تداول الحرية.

ثمة إذاً حاجة إلى إعادة اكتشاف الياس مرقص وأمثاله، بالطبع، وحاجة إلى استنطاقهم ومحاورتهم أو مشاجرتهم، وإلى مساءلتهم، ومراجعة أفكارهم وتصوراتهم ورؤاهم على واقعنا المعيش، هنا – الآن، ببعديه العالمي والتاريخي؛ وهذه كلها وجوه مختلفة لحاجة أي منا إلى مراجعة نفسه، وتصفية الحساب مع وعيه السابق، ولو كان وعي سنوات قليلة مضت، ولتكن قبل سنوات “الربيع العربي”، وكشف ثغراته وتنقيته مما ترسب فيه من أوضار الجهل والهوى وهذيان الأهداف الكبرى، والرغبة في “معانقة السماء”[1].

أما ما أسميها القراءة المرقصية فهي تدرب على كيفية القراءة والتفكير في ما نقرأ، وإخضاعه لفاهمتنا، ومراجعته على شروط وجودنا، التي هي شروط الوجود الإنساني، هنا – الآن، بدلاً من الخضوع له. وتدرب على كيفية مشاجرته، إذا لزم الأمر، وإعادة بنائه، في سياق عملية / عمليات انبنائنا وتشكُّل تفكيرنا وإدراكنا وتمثلنا وتقديرنا وعملنا. القراءة فعل مركَّب، له آثاره ونتائجه، كغيره من الأفعال، لكنه يفوقها جميعاً في أهميته، بحكم لزومه لها جميعاً لزومَ المعرفةِ للعمل، أو لزومَ التفكيرِ للتدبير.

ميزة القراءة أنها مشاركة إيجابية في إنتاج حقيقة / حقائق تتخطى الحدود المحلية والحدود الوطنية، بشرط أن تكون القراءة حواراً ونقاشاً نِدِّيَّاً ونَديَّاً مع الكاتب، مهما علا شأنه، من جهة، ومع الذات من الجهة المقابلة. شرط القراءة المنتجة هو احترام الذات والثقة بها. هذا هو مغزى درس القراءة المرقصي، نسبة إلى الياس مرقص. وحبذا لو صار هذا الدرس مبدأً لتعليم “القراءة” في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا. يقول مرقص: “القراءة، إذن، الدراسة، الفهم، المضاربة الفكرية، هذه مهمةُ القارئ، دعوتُهُ وحرفتُهُ. للمفكر، الكاتب، دعوته وحرفته، وللقارئ المفكر دعوته وحرفته. إذا كان كتابٌ من الكتب، لا يتطلب مني جهداً واجتهاداً وجهاداً، فالأفضل أن أعيده إلى الرفّ، وإلى البائع لو استطعت. بالنسبة لي، كل كتاب جيد هو كتاب بيداغوجي (تربوي، تعليمي، تكويني). التربية إنماء”[2]. التربية، هنا، هي تربية الذات، وتربية من تقع علينا مسؤولية تربيتهم. “المربي يحتاج إلى تربية”، حسب كارل ماركس، في الأطروحة الثالثة عن فويرباخ. القراءة اختبار للحرية، واختبار للذاتية، وجلاء لحدودهما؛ إنها اختبار لحرية القارئ/ـة إزاء سلطة الكاتب/ـة، ولا سيما قراءة النصوص المكرَّسة، والنصوص المقدَّسة.

أدعي أن إعادة اكتشاف الياس مرقص، من قِبَل من يعرفونه جيداً وتمرسوا على قراءته، ليست عودة إلى وراء، بل ذهابٌ إلى الأمام، مثلما نقرأ كبار الفلاسفة القدماء. (قد تغني قراء الياس مرقص عن قراءة غير قليل من هؤلاء). وأدعي، من ثَمَّ، أن تقديم الياس مرقص، إلى الشابات والشباب، بطريقة المناقشة والحوار (ديالوغ)، التي كانت طريقته، في مختلف أعماله ومجالات نشاطه، واجب معرفي – أخلاقي، لا ينفصل عن واجب إدراج الفلسفة والفكر النظري في التربية والتعليم والثقافة.

فقد امتاز الياس مرقص بميله العميق إلى تهذيب العقل أو النفس أو الروح، سمها ما شئت، ولكن لا تفصلها عن الجسد، لنقل تهذيب الشخصية، تهذيب الذات، تهذيب الفرد، بل تفريد الفرد، أي جعله فرداً حقيقياً، لا رقماً، وتنمية فرديته[3]، تحت عنوان “أنا أفكر”، يساوي أنا حر ومستقل، لست لساناً لأحد كائناً من كان، ولست يداً لأحد، لست أداة لأحد، ولست وسيلة لأي غاية مهما سمت، ولست موضوعاً لأي سلطة، أياً تكن السلطة. لكن حريتي واستقلالي لا تضمنهما سوى حرية الآخر والأخرى واستقلالهما. أنا تعلمت منه أن “حرية الآخر أولاً”، وأردتها مبدئي الأخلاقي، وجعلتها عنواناً لأول كتاب نشرته[4].

لماذا الياس مرقص اليوم، ومواطنوه ومواطناته في أسوأ أحوالهم/ـنَّ على الإطلاق؟ ربما لأن الياس مرقص واحد من الذين اشتغلوا في حقل الفلسفة والفكر الحر، في سوريا وجوارها، وربما لأن أحد أسباب تردي أحوال السوريين والسوريات، وأحوال غيرهم/ـن من “بني يعرب” هو غياب الفلسفة والفكر الحر وتغييبهما عن المعرفة والثقافة والأخلاق، وقبل ذلك عن التربية والتعليم. فإن أمة بلا فلسفة لهي أمة بلا عقل. وإن حرية التعبير، التي حرم منها السوريون والسوريات، شرط لازم لإمكان حرية التفكير، وعليهما معاً، أي على حرية التعبير وحرية التفكير، تتأسس سائر الحريات الفردية والخاصة والعامة. والفكر الحر بالتعريف هو الفكر الذي يتخطى الحدود والقيود الإثنية والدينية والمذهبية والجنسية والجهوية واللغوية والثقافية، ويتخطى الفروق بين الأفراد والجماعات والأمم والشعوب، ويعانق ما هو عام ومشترك بين جميع أفراد النوع، إناثاً وذكوراً، ويبني على هذا المشترك رؤاه الوطنية، الاجتماعية منها والثقافية والسياسية والأخلاقية. الفكر الحر هو الفكر الذي يبني أحكامه كلها (أحكام الواقع وأحكام القيمة) على مبادئ ومعايير وقيم مشتركة بين جميع أفراد النوع إناثاً وذكوراً. الفكر الحر هو الفكر الكوني أو الإنساني العام في كل ثقافة وطنية، وهو أساس كل ثقافة وطنية قولاً وفعلاً، لأن الإنساني أساس الوطني وقوامه وعماده وأفقه.

الفلسفة، أو الفكر النظري الحر، إلغاءٌ معرفيٌّ أو نفي معرفية للإثنية (القومية، من القوم) والدين، ولكل هوية حصرية؛ هذا الإلغاء أو النفي هو الوجه الآخر للإلغاء السياسي للملكية الخاصة والدين والإثنية، ولأي هوية حصرية أيضاً. وقد كان هذا الإلغاء السياسي للدين والإثنية وللملكية الخاصة، ثمرة حق الاقتراع العام، المؤسَّس على حرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن/ـة، وعلى مبادئ المساواة والحرية والعدالة، لا على مجرد “حق الاقتراع” أو التصويت، كما هي الحال في النظم التوتاليتارية، ونظم “الديمقراطية الشعبية” و”ديمقراطية صندوق الاقتراع”، و”الديمقراطية التوافقية”. الإلغاء المعرفي للإثنية والدين وأي هوية حصرية مؤسس على كونية الفرد الإنساني وكليته، أي على كونية العقل والحكمة، في الإناث والذكور بالتساوي، وعلى كونية المبادئ والمعايير. الكونية هنا مرادفة للإنسانية أو الإنسية.

الفلسفة، اليوم، هي النشاط الذهني – النفسي أو النشاط العقلي – الأخلاقي أو الوجداني، الذي يحوِّل نتائج العلوم المختلفة إلى فرضيات للتفكير الحر. والفكر الحر هو فكر علماني بالضرورة، حتى حين يكون موضوعه لاهوتياً. العلمانية هي أيضاً ميزة لفكر ديني ليس فقهاً، وليس تأويلاً أيديولوجياً، وليس دعوة وتبشيراً، وليس “مطالبة ومدافعة” بالتعبير الخلدوني، وليس تسويغاً وتبريراً، وليس مناصرة ومفاصلة. العلمانية هنا شقيقة العقلانية وشقيقة الوجدانية المناهضتين لجميع أشكال التمييز الجنسي والجندري والديني والمذهبي والإثني والجهوي وغيرها من أشكال التمييز.

في حضرة الفلسفة أو الفكر النظري الحر، يخلع الإله الإبراهيمي ثياب الألوهية، كما فعلت آلهة العصور القديمة، ويتحول إلى عقل مكوَّن، بتعبير لالاند، هو نظائم من مُثُل ومطلقات وحقائق كلية، وعقل محايث، هو عقل الفرد الحر المستقل (بالتأنيث والتذكير)، يتحول إلى فكر، هو شكل العالم المعيش ومضمونه. وإلى مرآة مستوية، لا مقعَّرة ولا محدَّبة، لذات المتكلم/ـة. ملائكة هذا الإله هم الحواس الخمس أو الست أو ما شئتم، ورسله هم العاطفة والذاكرة والخيال. الفلسفة كونية (يساوي إنسانية عامة) أو لا تكون فلسفة، ولا تكون وطنية، سورية أو فرنسية أو غير ذلك. الذات المتكلمة في القول الفلسفي هي ذات الإنسان الكلي، الفرد / النوع، الأنثى / الذكر، المتناهي / اللامتناهي، الفرد الذي يختار نفسه مواطناً عالمياً؛ حين يختار إنسانيته، ويتحمل مسؤولية اخيتاره. الفكر الحر يعمل بالمفاهيم الكلية والمعايير الكلية، العمومية هي مبدؤه وغايته، مبدؤه المفاهيم والكليات، وغايته الواقع أو العالم الفيزيقي والأخلاقي، بالتلازم بين الفيزيقي والأخلاقي. الكلية هنا اسم آخر للتجريد. الفكر يعمل بمفاهيم كلية، مجردة كلياً. الفكر، بلغة الياس مرقص، تجريدة (حملة) على العالم المعيش، على الواقع، يقوم بها الرأس.

الفلسفة هي “مكر العقل”، الذي فجر اللاهوت من داخلة، وعصف بمؤسساته، حين حاول هذا الأخير، اللاهوت، أن يستثمر الفلسفةَ، ويستثمر فيها تلفيقاً، ولا تزال الفلسفة تفعل ذلك، على صعد مختلفة، فردية وجمعية، إلا في المجتمعات التي انصرفت عنها وكفَّرتها وكفَّرت أعلامها والعاملين في حقولها[5]. فلعل أحد أسباب التخلف، تخلف ما تسمى “المجتمعات الإسلامية”، يرجع، بصورة أساسية ربما إلى غياب الفلسفة وتغييبها عن هذه المجتمعات.

الياس مرقص في المشروع المعرفي النقدي، التنويري، ليس الشخص، الذي ولد عام كذا، وتوفي عام كذا، وقال كذا وكيت، وكتب كذا وكيت، على أهمية ذلك؛ بل هو نموذج المفكر الحر، الذي لا بد لنا من بنائه ذهنياً، معرفياً وأخلاقياً، قل مثالياً، لمواجهة نماذج التفكير الدينية والفقهية، ونماذج الإدراك والتقدير والعمل، ومخرجاتها أو منتجاتها المتوارثة جيلاً عن جيل. ومن ثم إن كل مفكر حر هو تعيُّن حي لهذا النموذج الذي ينشده المشروع المعرفي النقدي – التنويري. فقد لا يكون من الممكن مواجهة نموذج المفكر – الفقيه، والمفكر – المبشِّر أو الداعية، وواعظ السلطان .. إلا بنموذج مرقصي ما، يتوفر على شجاعة عقلية – أخلاقية كافية لنقد الياس مرقص نفسه، ونقد أمثاله، ممن يستحقون النقد، إذ ثمة “مفكرون” لا يستحقون النقد، أو هم دون مستوى النقد، وقائمة هؤلاء طويلة.

سأغامر بالقول إن موقع الياس مرقص في الثقافة السورية المعاصرة يشبه موقع رواد الحداثة والتنوير في مجتمعاتهم، مع فروق نوعية في الشروط التاريخية، بين المجتمع السوري، في زمن مرقص، وبين المجتمعات المتقدمة، التي اعتنت بالفلسفة والعلوم والآداب والفنون عنايتَها بالعمل والإنتاج الاجتماعيين، وعنايتها بالتربية والتعليم والصحة ورفاهة العيش. من وجوه الشبه أن مرقص كان لديه ميل عميق وأصيل إلى التأسيس، تأسيس النظر والعمل والتقدير (الأخلاق العملية)، على مبادئ واضحة، عامة، إنسانية أو كونية، يقبل بها جميع العقلاء والعاقلات[6]. وميل عميق وأصيل إلى الاحتكام إلى معايير وقيم عامة ومشتركة بين جميع أفراد النوع، أو يمكن أن تكون كذلك. وأنه خاطب “بني قومه” (وعمل من أجلهم)، بصفتهم كائنات إنسانية كلية، كل واحد منهم وكل واحدة هو وهي “أنا أفكر”، كل واحد منهم وكل واحدة هي وهو ذات عارفة، عاقلة وأخلاقية حرة ومستقلة، أو يجب أن تكون كذلك؛ لا بصفتهم/ـن سوريين وسوريات فقط، ولا بصفتهم مسلمين وغير مسلمين فقط، تأكيداً لبمدأ أن الإنسانية هي أساس الوطنية وقوامها ونصابها وعمادها، وإلا كانت الوطنية مجرد نزعة تمييزية وعنصرية، وهوية قاتلة. في الخطاب المرقصي ذاتُ المتكلم/ـة تتحدد بذاتِ المخاطَب/ـة، (بالمفرد والجمع)، فترتقي بهذا التحدُّد إلى مقام التشريع القانوني والأخلاقي، وإلى مقام التفكير النظري أو التفلسف. وهذان، مقام التشريع ومقام التفلسف، مقامان ساميان دونهما “خرط القتاد”. ثمة وجه شبه آخر بين مرقص ورواد الحداثة هو العناية بالمنهج أو الطريقة، والطريق إلى الحقيقة، أو إلى إنتاج معرفة تؤسس الممارسة وترشدها، وتقوِّمها في كل منعرج أو منعطف. صحيح أن مرقص لم يؤلف كتاباً خاصاً في المنهج، ككتاب ديكارت “مقال عن المنهج” أو الطريقة، أو “حديث الطريقة”، باستثناء الكتيِّب الموسوم بالمنهج الجدلي والمنهج الوضعي، لكن يمكن اعتبار معظم كتاباته ترجمة نظرية للمنهج أو نوعاً من ممارسة منهجية. أجل إن قراءة الياس مرقص تعلم المنطق، وتقوِّمه، وتسوي اعوجاجه أو تصلحه، بلغة القدماء.

يمتاز مرقص بميزة فائقة الأهمية هي رفض التمذهب، ونقده نقداً صارماً، والاعتراف المبدئي والنهائي بإمكان خطأ الذات وضلالها، ووجوب الرجوع عن هذين الخطأ والضلال، فإذ حاولنا تغيير أمر ما أو واقع ما وبذلنا في سبيل ذلك كل ما نستطيع، ولم نفلح، يكون الخطأ في معرفتنا ووعينا، لا في الواقع المعيش، فعلينا من ثم مراجعة ذواتنا، ومواءمة وعينا مع “منطق الواقع” و”منطق التاريخ”. هاتان العبارتان: منطق الواقع ومنطق التاريخ، تتواتران في نصوص مرقص تواتراً لافتاً. ولعل عبارة الياس الأثيرة: كون العقل هو عقل الكون، تدل دلالة واضحة على هذه الميزة.

يلفت النظر هنا موقف الياس مرقص من الوضعية الإيجابية وتمييزها من الوضعانية أو “المذهب الوضعي”، الذي أسسه أوغوست كونت، ورؤيته أن الديالكتيك وحده ينصف الوضعية الإيجابية، بصفتها لحظة من لحظات الدياكتيك، مثلما الكينونة لحظة من لحظات الصيرورة. وأن الديمقراطية وحدها تنصف الليبرالية، بصفتها، أي الليبرالية، النسغَ الحي للديمقراطية.

  1. – عبارة أطلقها كارل ماركس على أبطال كومونة باريس، 18 نيسان – 28 أيار عام 1871. وقد عدت الكومونة أول ثورة اشتراكية.

  2. – إلياس مرقص، مقدمات من أجل التنوير، جمعها وحررها جاد الكريم الجباعي، (منشورات مركز حرمون للدراسات المعاصرة، دار ميسلون، 2017).

  3. – الفردية، بما هي كيفية انتظام معارف الفرد وأفكاره وتصوراته وتطلعاته ورغباته وأشواقه وجميع محملاته، أي بما هي قوام شخصيته الاجتماعية والقانونية والخلاقية، الفردية بهذا المعنى تنمو وتضمر، وفقاً لشروط الحياة الخاصة والعامة.

  4. – يراجع كتابنا، حرية الأخر، دار حوران، ريف دمشق، 1995.

  5. – يحسب لبعض المذاهب الإسلامية، كالعلوية والدرزية، احتفاؤها ببعض أعلام الفلسفة، لكن يؤخذ عليها غلوها التأويلي، الباطني، الذي يعصف بالقيم المعرفية والأخلاقية، لغايات سياسية. تسييس الدين يفسد الدين والسياسة معا، ويدمر القيم الإنسانية. نعتقد أن الصراع على السلطة والثروة ومصادر القوة، هو العامل الرئيس في تكثر الملل والنحل وتنابذها.

  6. – من هذه المبادئ عند ديكارت أن “العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس”، وعند مرقص أن “جميع البشر يتوفرون على استعدادات متشابهة ومتعادلة”