المسألة الدينية رافقت ولازمت وغذت كل تاريخ أوروبا، تقدمها وصعودها، أي تكوّن هذا العالم الجديد، المتأخر في ظهوره ووجوده.
في تاريخنا، في التاريخ العربي الإسلامي، المسألة الدينية ظهرت وبرزت، لكنها فيما بعد اختنقت أو خُنقت وانحطت من المسألة الدينية إلى مسألة «مذاهب» وطوائف، إلى كاريكاتور عقيم. السؤال الديني عن الإنسان طُوِيَ. الدنيا رفضت أو قُبلت، مسألة التاريخ كتقدم ممكن وواجب انتهت. الدين لم يتحول إلى فلسفة. بين الدين والعلوم (العلوم غير الدينية) الفلسفة حلقة مفقودة.
لنقل إن الأوروبيين (الغربيين) مسألوا المبادئ المبادئ مع كونها المبادئ تصير أسئلة ومسائل. الدين مع بقائه الدين يصير فلسفة، فلسفة إلهيات (لاهوت) حاملة للفلسفة (مع فكرة المطلق) والعلم والعلوم. من الصعب عد الفلاسفة والعلماء (رياضيات، فيزياء، بيولوجيا …) من رجال الدين في تاريخ الغرب. «نعرف» إن صح القول «صراع العلم والدين» في الغرب، «صراع الفلسفة واللاهوت»، «وقوف الكنسية ضد الأنوار»، الخ. إن قسماً لا بأس به من هذه المعرفة مشوه ومغلوط. ولا نعرف الوجه الآخر…
إن أول مصيبة في تاريخنا هي سقوط علم اللاهوت، أقصد تحديداً علم الإلهيات العقلي. نوعاً ما المسلمون بدؤوه، المسلمون العرب، لكنهم فيما بعد صرفوه، والأوروبيون تابعوه حتى هذه اللحظة.
كذلك أمور كثيرة هنا بدأت وهناك كان البسط والإنماء والمتابعة.
- مصدر المادة: كتاب نقد العقلانية العربية، ص125