في فرنسا الكاثوليكية ما قبل الثورة الفرنسية، في عهد الملك لويس الخامس عشر، شغل الرأي العام حادثة جان كالاس البروتستانتي. أراد ابنه الشاب أن يتحول إلى الكاثوليكية في زمن كانت فيه كلُّ من الطائفتين تزندق الأخرى، ويعاني أتباع البروتستانتية من الاضطهاد. وحدث أن وُجد هذا الشاب على باب متجر العائلة، وقيل إنه مات شنقاً. فثبَّتتْ محكمة بوردو، مع شهود زور، تهمة القتل على الأب وأعدموه عام 1762.
وصلت القضية إلى باريس، وتبنَّاها فولتير الذي كتب عام 1763 (رسالة حول التسامح) بمناسبة وفاة جان كالاس، وحذا آخرون حذوه. فانقسمت فرنسا إلى معسكرين أو إلى نصفين: هناك وزراء في صف فولتير، ورجال دين كذلك، فيما أخذ آخرون موقفاً ضد جان كالاس وطالبوا بعدم إثارة القضية مجدداً بمعنى “ما حدث قد حدث”. لكن فولتير وصفَّه رفضوا التراجع، إلى أن أعيدتْ محاكمة كالاس في باريس وتمت تبرئته ورد الاعتبار له. كما تم اتخاذ بعض الإجراءات إثرها، كسجن بعض المتورطين في المحكمة الفضيحة وغير ذلك.
وأقول إن هذه هي الأمة الفرنسية: أمة انقسمت بأكملها إلى اثنتين من أجل فرد لا من أجل أقلية. إنها أمة حية، أمة تاريخية. وقد كانت هذه لحظة الحق الفاروقية. أي قبل كل شيء يوجد حق وباطل. لا يجوز أن أرضى لغيري ما لا أرضاه لنفسي، فهذه مسألة كرامة وإهانة. آن لنا أن ندرك أن أي فردٍ يريد أن يعطي لنفسه شيئاً فوق زميله أو جاره أو أي مواطن هو مهدور الكرامة قبل الآخر. قبل أن نرفع جماعاتٍ وطوائفَ علينا أولاً أن نرفع لواء المجتمع ولواء الفرد، لواء الدولة ولواء المواطن فوق أي اعتبار آخر. ستتحول الطوائف حينها إلى مذاهب، إلى أديان ومذاهب، إلى جماعات، جماعاتٍ حرة يكون الأفراد فيها أحراراً.