Elias Morcos Inistitution

لا حق ولا قانون مع الواحدية. اختلاف البشر وخلافهم ومصالحهم واتجاهاتهم وأحزابهم، هذا ما يحمل الكلي والقانون والحق ومفهوم الدولة.

لا حق ولا قانون مع الواحدية. اختلاف البشر وخلافهم ومصالحهم واتجاهاتهم وأحزابهم، هذا ما يحمل الكلي والقانون والحق ومفهوم الدولة.​

مسألة التقدم والرفاه

الدنيا غير قابلة لأن تكون جنة، لأن تحوّل إلى جنة. إنها قابلة للتحسين وواجبة التحسين. إذن التقدم، التدرج، الارتقاء على سلّم. الجهاد، الخلاص، قضية اجتماعية وتاريخية. الإنسان يمتاز على الحيوانات بقابليته للتحسن. أسُّ ارتقاء الإنسان هو الشغل والكبح. والمحرمات الدينية لعبت هذا الدور: كبح الحيوانية، الهمجية، لاسيما في ميدان الجنس…

في الإسلام، عدا عن «الحلال والحرام»، يوجد الجهاد الأكبر، جهاد النفس. في القرآن الكريم، نجد تأكيد أن النفس أمارة بالسوء، ونجد فكرة آدم المستخلف، الظلوم والجهول. التاريخ دراما ومأساة وتقدم وارتقاء. لا توجد في التاريخ حالات تقدم بلا ثمن، توجد حالات ثمن بلا تقدم. الشعوب، المجتمعات تدفع ثمناً إما لشيء وإما للاشيء، أما أن تنال أو أن نالت شيئاً بلا ثمن فهذا غير واقع. ورسالة الفكر النظري أن يجعل الثمن المدفوع والذي يُدفَع وسيُدفَع ثمناً لشيء، لا للاشيء، لتقدم، لتحوّل جذري، لتبدل أساسي. إذا كانت ثنائية الحلال والحرام قد همشت وألغت فكرة الجهاد الأكبر، ونابت عن فكرة الشر أو فكرة الخطيئة، فهذا يجب أن يدان بلا مواربة، بجذرية وأساسية. لكن لكي يدان على النحو المذكور، يجب أن نخرج من الشعور إلى الوعي، من الإحساس إلى الفهم.

يجب ألا ننسى أننا أقدم وجود بشري حضاري، وأننا تحت إغواء أخذ الوجود بالبداهة الأصلية، تحت إغواء جهل أو تجاهل أن التاريخ صراع بين الوجود والعدم، وأن تاريخنا خلال قرون طويلة أبلغ شاهد: حين يتوقف جهاد الوجود ضد العدم ينمو العدم جيلاً بعد جيل. والعدم عدم معين، إنه دوماً عدم شيء ما: عدم زراعة، عدم شغل، عدم قانون، عدم أمن، عدم حق، عدم كرامة، عدم مستقبل. وهذا الماضي راهن مع وجود الصراعات الداخلية وكثرة التناقضات. في العصر العثماني وما شابه، تستفحل حالة الغزو، تنمو صراعات البقاء (غزو البادية للريف، غزو القرى العليا للقرى الدنيا، نهب قافلة الحج، اقتتال «الجيوش» داخل المدن…).

لنكن صادقين. وأولاً لنكن عارفين، لندرس العالم كي نعرفه، يوجد عالم غير العرب، ويوجد تاريخ بعدهم، غيرهم، وقريب منهم.

الغرب بني، صراعياً، الخط المعارض في تاريخنا الفكري، العناصر الثورية اختنقت، ظلت أسيرة منظومة وسطوية عريقة وشرقية، والمعري ( = مونتيني + ديكارت) هُزم. عمالقة الفكر العربي والإسلامي صاروا افرنجاً، لَيْتنوهم، أخذوهم وتمثلوهم وأذابوهم في الجسم الجديد. الرياضيات العربية صارت ملكاً لأديرة وجوامع الغرب… أخذوهم وسرقوهم وذوبوهم، والعياذ بالله. نحن أمة معطاء. بعد التصوف والباطنية عندنا، يوجد التصوف والباطنية عندهم، في جدوى تاريخية لم تكتب من قبل. التصوف الألماني مدخل هائل إلى الديالكتيك الألماني. وادي القديسين والقديسات (وادي نهر الراين)، مرجريت فون بندن…، المعلم إكهارت (الله: «مهما تقل عنه فهو ليس» … «ليس كمثله شيء» يقول القرآن الكريم)، نقولا دوكوزا …، جوردانو برونو، باراسلس، ياكوب بوهم، باسكال، سبينوزا (كل تعيين هو نفي)…، هيغل…

 

  • مصدر المادة: كتاب نقد العقلانية العربية، ص58، 59

مشاركة:

Facebook
X
LinkedIn
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Author

احصل على آخر التحديثات

تابع رسائلنا الاسبوعية