Elias Morcos Inistitution

لا حق ولا قانون مع الواحدية. اختلاف البشر وخلافهم ومصالحهم واتجاهاتهم وأحزابهم، هذا ما يحمل الكلي والقانون والحق ومفهوم الدولة.

لا حق ولا قانون مع الواحدية. اختلاف البشر وخلافهم ومصالحهم واتجاهاتهم وأحزابهم، هذا ما يحمل الكلي والقانون والحق ومفهوم الدولة.​

كون طائفي، مجتمع مدني، حقوق الإنسان

هذه الكلمة ليست ((مقدمة)) لكتاب ((المرأة في العالم العربي))، إنها مبدئيًا تعليق على بعض المصطلحات، واستطراد، وهي لا تدّعي استنفاد أي مسألة.

كون مذهبي؛ العالم الذي تتناوله الكاتبة الفرنسية ((كون طائفي)) univers confessionnel، بالأصح: ((مذهبي طائفي)).

المذهب يقيم جماعة بشرية هي طائفة. والمذهب مذاهب بضرورة الكون ذاته الذي ليس مذهبًا، وبحكم أن المذهبة مذهبة بشر كائنين، الكون الطائفي كون طوائفي. هذا اللون يغمر أشكال الكائن الأخرى، يصبغ مورفولوجيته، أقسامه. علمًا بأن حقيقة الكينونة لا تنحل في هذا اللون مهما بلغت شدّته. الجماعة أو الزمرة السيّدة هي ((العائلة الموسّعة. وثمة، أخيرًا، مجتمع حديث وطبقات بالمعنى الحديث.

عالم مذهبي، يطبّق مذهبًا يعي نفسه ويريد نفسه. هكذا يتصوّر ويصمّم نفسه se concoit.

الصفة الطوائفية أقدم من الإسلام في عالمنا. إنها واضحة في سورية المسيحية مثلًا. بل هي أقدم من المسيحية أيضًا. إنغلز يشير إلى هذه الصفة في ملاحظة له عن روما والشرق الأدنى، مثل ما فتحته ووجدته روما([1])، والتاريخ البشري يبدأ بـ ((الطبيعة))، و((الجماعة الطبيعية)) واللاتاريخ، ولا يصل إلى ((التاريخ)) وإلى ((الجماعة التاريخية)) وإلى ((المجتمع)) إلا بعد جهد ومشقة، وعلى مستويات ودرجات، نسبيًا([2]). والدين التوحيدي على هذا الخط: يبدو مشروع تجاوز للجماعة الطبيعية وشبه الطبيعية.

الإسلام يقع في هذا الواقع المشكَّل ويشكِّله من جديد على نطاق واسع.

الكتاب المنزل يُقرأ أي يُفهم يؤوّل. والبشر يذهبون مذهبًا ومذاهب في التأويل، الفهم، القراءة، وهم في ذلك محكومون بشروط وجودهم.

لكنهم يميلون إلى ((نسيان)) هذا الأمر المزدوج: إنهم هم الذين يذهبون ويتمذهبون، وإن هذا الذهاب والتمذهب محكوم بشروط وجودهم الواقعية والتاريخية في العالم الذي صار، أخيرًا عالمًا وعالم أمم وقوى وتقدّم.

عندئذ، تبدو صيغة ((كون مذهبي)) مفارقة جذرية. المذهبة تذهب ضد الكائن. أو هي تبقيه وتخلّده بوصفه كونًا، وعالمًا بذاته، منقسمًا عموديًا، ومأزومًا منذ زمن غير قليل. المذهبة تٌعارض أو تقلّص مبدأ أولوية ((الكينونة)) على ((الولاية))، ومبدأ أنكم أعلم بأمر دنياكم ( ((أمر)) بالمفرد، وحدة، كل، قبل الذهاب إلى/ والضياع في/ أجزاء).

مفارقة جذرية أن ليس في ((كون مذهبي طائفي)) ففي كائن مذهبي أو كينونة مذهبية ومجتمع طائفي وأمة قبائلية وعائلية، الكائن مأزوم أزمته تتفاقم.

صفة الكائن: الضرورة، العقل، الحرية. المذهبة: قسر وعسف.

الكائن صيرورة وتاريخ، المذهبة تجميد وإعطاب.

والصيرورة صيرورة كائنية، المذهبة ((الثورية)) جنون وتخريب.

إن تصوّر الواقع تطبيقًا لمذهب، هو مثالية، إرادية، ذاتوية. سواء كان المذهب، الذي يُزعَم أو يُراد أن الواقع هو تطبيق له، ((شرعًا دينيًا)) قديمًا أو ((اشتراكية علمية (( حديثة، ودّعت ((الدين)) منذ زمن طويل، ولا تعي أن علمويتها هي ((دين)).

طبيعة الأمور وحق البشر وواجبهم أن يتصوروا ويصمموا. لكن عليهم أن ((يتذكروا)) أن:

((الكينونة)) ليست نتاج ((الولاية))، المجتمع ليس ابن الدولة، الدنيا ليست محلولة في قيصر وشرع وحزب، الواقع ليس قوامه مكر البشر مهما مكروا، الكائن له عقله ومكره، وثأره: الموضوعي يغلب الذاتي([3]) إيجابًا وسلبًا: هذا يتوقف على وعي البشر، على موضوعية هذا الوعي ومطابقته للواقع.

ضد ((كون مذهبي)) أضع ((كون كائن))، هذا الاعتراف شرط للفعل الإيجابي. كائن أي :

1- ليس، أساسًا؛ نتاج فكر ونظرية.

2- من ثم، إمكان تاريخ وواقع تاريخ (تقدّم وثبات وركود وتحنّط وانتكاس وثورة وغير ذلك). من أجل أمة عربية كائنة، واقعية، فاعلة كأمة في عالم الأمم.

كون طائفي

طائفة، طوائف، عائلة موسّعة، قبيلة عشيرة، هذا كائن (كينونة، وكون) وليس محض فكر.

له فكر. فكره الذاتي هو فكرة ((الأصل))، أسطورة الأصل، الشيئية والرمزية. (في الرأس، بما في ذلك رأس أهل الفكر: الأشياء تنوب عن الواقع، والرموز والكلمات عن المفهومات). ((الأصل))، إذن الذريّة (النسلية)، المدّ في الزمن المجرّد كبديل عن التاريخ، مع طوطمية متقدمة مؤنسنة. سيرة ((الأوائل)) في التاريخ، أو في ما يبقى منه في الذاكرة، تؤسطر. إسلام البدء يحزَّب في القرن العشرين: يسار، عروبة، ثورة اجتماعية، عالمية كونية محافظة تقليدية أو ثورانية نورانية. أبطال الإسلام الأوائل يصيرون أجدادًا لـ ((أحزاب)) الحاضر، لقبائل وطوائف الحضارة. فكرة ((الأصل وامتداداتها الحديثة تغلب فكرة ((الوطن، والمكان يبقى المكان المجرد المبسوط في الامتداد، بالمذهبة و))الجماعة))، الدين ((ممنوع)) عن الشخصية والكونية (وكلمة كونية يفهمونها بسطًا في الامتداد). والأمة تراد وتُتصور من دونهما. الفكر المفكّر يعمل بالأصناف أو الجماعات أو المجموعات (بشرًا وأشياء)، فهي ((الموجود)) أي الواقع أما الكلي فهو مجرّد، أي غير موجود وغير واقعي. وأما المفرد فهو موجود أجل، لكنه قليل صغير، بالبداهة. ((موجود)) كلمة سيدة في القاموس الوثني. (ولكل مدرسة قاموسها الوثني المانوي الخاص. لكن بعض الآلهة مشتركة لكل القواميس). في هذه الحال، بالعيش على الأصناف وفي ((الموجود)) بالعمل في مستوى ((الخاص)) المقطوع عن الكلي والمفرد، إن الفكر العربي هو غير الموجود. إنه بلا هوية.

بطبيعة الحال: في قاموسه، ((هوية)) مرادفة لـ ((خصوصية)) (قومية أو إسلامية أو ماركسية) فلسفته هي ((المادية)) بمعنى مادية كتلية، شيئية، كمية: الواقع أشياء وتعد -ليست كائنًا- عقلًا.

طوائف وجماعات عمودية متنوعة. هذا كائن وكون. أترك للقارئ أن يجرّد هذا الكون من الشرق إلى الغرب، وأن يعيد الجرد مع تقدير ((النسب العددية)): مسألة الكون الطائفي، عالم الانقسام غير الطبقي، التراتبي، مسألة الاندماج والأمة. ليست شأنًا صغيرًا.

كائن وليس محض فكر. ((العصبيات)) الطائفية، العائلية، القبلية نتاجاتُ ومظاهر هذا الكون الكائن.

الفكر العربي القومي، لكن أيضًا الماركسي والإسلامي، يرى ((العصبيات))، يحارب العصبيات([4]) لكنه، بوصفه فكرًا ومعرفة وعلمًا، لا يتعامل مع هذا الأمر تعامله مع كائن، حتى إذا كان بعضه ((يعوض)) في العمل المسمى سياسة))، كأنه راض عن الكون نفسه، وغاضب بشدة على الإفراز، أو كأنه يعد الإفراز ناتجًا من لا كون، من عدم، أو من عفريت ((الاستعمار)). ويعالج العصبيات البغيضة بالدعوة الدعوة القومية، الإسلامية الطبقية بالدعوات إذن بعصبيات مضادة، سم وترياق تدخلية([5]) إرادية منهج علاج بالكلام: الكائن غير كائن.

الدعوة الإسلامية تتصور أنها قادرة على إلغاء أنواع ((العصبيات)) القديمة والحديثة (قبلية، عائلية، ومذهبية، وقومية، وطبقية) كلها في المعمورة الإسلامية.

التاريخ، تاريخ البشرية المسلمة، شاهد على غير ذلك. شاهد أولًا على كائنية الكائن، وثانيًا على تاريخيته ولا تاريخيته، وثالثًا على إمكاناته الواقعية الحقيقية.

((الفكر القومي))، في غالبيته، يريد الأمة العربية، بل الأمة العربية القومية، لكنه بسرعة يمذهب نفسه عروبيًا وأصاليًا: ((قوميتنا العربية ليست القومية الأوروبية)). في وقت أول، يبدو هذا مناظرًا من ((إنسانية القومية العربية)) ضد ((عرقية واستعمارية القوميات الأوروبية))، ويبقى غائبًا التناقض القائم في قلب الكائن، هنا التناقض بين مفهومات ذات الواقع. وحين يتظاهر هذا التناقض، ويجد منفذًا إلى ذات الرؤوس، يصرح الرأس القومي (أو شطر كبير منه) بأنه يريد الأمة لكن ليس ((الأمة الأوروبية)).

إنه لا يرى أن هذا ((المثال)) (= الفكرة، المفهوم) ليس أوروبيًا خاصًا إلا بمعنى، وهو معنى كبير، إنه توقعن واكتمل ((نسبيًا لكن أساسًا بشكل غالب ونهائي)) في أوروبا. لا يرى أن الواقع يحمل مسألته وقضيته على شكل آخر دائمًا وفي كل مكان؛ فهي بالأساس قضية مجتمع (بدلًا من كون جماعات)، ووطن هو واقع وروح بدلًا من ((أشياء)) لا سيما قبيحة، ((ورمز)) وإنتاج وإعادة إنتاج، وتعامل وعقل وعقالة (بدلًا من سلاسل). ولا يرى أن العرب، إذا ما قورنوا بغيرهم من شعوب العالم الأفرو-آسيوي، غير بعيدين عن ذلك ((المثال)) وأن تاريخهم الجوهري صعود نحوه (ولا سيما تاريخهم الأخير: المرحلة الناصرية)، وأن ضرورات هذا العصر الراهن تفرض عليهم انعطافًا نحوه.

الفكر القومي العربي يريد ((كائنًا قوميًا)). لكن كأنه يتصور ((كائنًا قوميًا)) ليس ضدًا لـ ((كون مذهبي طائفي إلخ))، ليس ضدًا لعالم انقسامات عمودية، وذلك في وطننا العربي ذاته: هذا التصور تخليد لِـ ((أصالتنا الكونية)).

على فكرنا أن يستثمر بوعي ازدواجية كلمة ((مثال))، إن يفرق بين المثال، الفكرة، المفهوم idee . والمثال، الصورة الفردة exemple. وعليه أن يدرك أن طريق معرفة الذات (ذاتنا القومية والتاريخية) ليس التوغل في بطن الذات (فالذات ليست بطنًا، شيئًا ولا رمزًا أو كلمة بل واقع وحقيقة) بدلًا من الذهاب في العلاقة، الكائن الكون.

أما ((الدعوة الماركسية)) في مرحلتها الأخيرة العليا، الماركسية النظروية والممارسية، ((منتجة المفهومات)) والثوار، فقد وقفت بقوة على أرض ((التشكيلة الاقتصادية)) المعقدة (بالإمبريالية والتخلف) ومجتمع الطبقات المركب والمبنين و((التناقض الفائق التعين))، وقفزت من هذا الخواء الغني إلى الوجود، أغنى: قفزة نوعية.

مدني ومدني

بالفرنسية، ثنائي civil و civipue

يمكن ((شرح)) هذا الثنائي بالصورة الآتية:

مدني اجتماعي مدني سياسي
المجتمع بوصفه مجتمعًا المجتمع بوصفه دولة
مجتمع دولة
إنتاج وإعادة إنتاج (البشر، المنتجات) سياسة
دائرة ((الكينونة)) دائرة ((الولاية))
مدنية وطن
عضو المدينة مواطن الدولة
إنسان (إنسان مدني) مواطن
((أحوال شخصية))، ((نفوس)) دولة وسياسة
((تعامل)) تبادل، تواصل وتبادل، أعمال وأحزاب إيديولوجيات
خاص، أي خاص لكل واحد عام ودعوى العام
بشر أفراد وجماعات حرة مجرد، تماثل
فروق، تنوع إلى ما لا نهاية تساوٍ
محتوى شكل

مفهومان كينونيان، ليسا شيئين. كل فرد كائن موجود هناك وهناك: ليس ثمة وسيط بين الفرد والدولة، بين الفرد والمجتمع عامة. الجماعات الوسيطة سقطت.

((الاجتماع)) حرّ، انتخابي، والجماعات حرة وتتعدّد إلى ما لا نهاية. ((المجتمع المدني)) واحد و((الدولة)) واحدة، محتوى وشكل هو شكله.

هذا الثاني تبلور، واقعيًا وفكريًا ولغويًا، في أواخر القرن الثامن عشر في الغرب، عصر الأنوار، علم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، هيغل ((الطبقة الثالثة))، البرجوازية أمة الأعمال والتعامل والإنتاج والأخلاق الجديدة والثروة والقيمة (القيمة هوية تماثل علاقة تساوي السلع الأكثر اختلافًا…) ضد/ النبالات المتنوعة، دعوى العراقة، المذهبة الدينية، والنظام القديم.

المعنى: الأول ليس محلولًا في الثاني، إنه الأساس والمحتوى الحر. المجتمع المدني يكتمل ويتبلور في الطور البرجوازي، يفرض نفسه يطوّع ((البنية الفوقية))، ينفرز، ينال الاعتراف.

في دائرة ((المجتمع المدني)) يعثر ماركس على مفتاح التاريخ، في المجتمع المدني، وليس في الدولة، السياسية، الإيديولوجيا، فلسفة الحقوق، ((الفكرة)) الهيغلية وغيرها، هذا ما يقوله في المقدمة الشهيرة (1859) مباشرة قبل نص خلاصة مبادئ المادية التاريخية الأشهر، لكن هذا النص الأشهر كأنه – بعد ماركس- ألغى تمهيده الشرعي والمصطلح الألماني burgerlische sellschaftt . تُرجم بـ ((مجتمع برجوازي)) وما كان عند الأوروبيين غلطًا صار عندنا غلطًا مضاعفًا. الآن استقرت الترجمة عالميًا على ((مدني)) civile. عندنا، فكرة ((التشكيلة الاقتصادية)) أكلت فكرة ((المجتمع المدني)). ثمة مشكلة كبيرة، واقعية وتاريخية، ولغوية ( في الألمانية) بين الفكرتين؛ المجتمع المدني هو ليس المجتمع البرجوازي، إنه ((دائرة)) تصل إلى تمامها وانفرازها، في الطور البرجوازي، لكن المجتمع المدني أقدم بكثير. التاريخ يحمله لا سيما شرقنا الأدنى قبل الإسلام وبعد الإسلام.

فكرة المجتمع المدني ضعيفة في العقل العربي الراكب على ((الأشياء)) و((الموجود)) والمركوب بـ ((الدولة)) الذي يتصور أن الدنيا هي الدولة، وأن الدولة هي الدنيا.

هناك من يريد ((العلمانية السياسية)) من دون ((العلمانية الاجتماعية)) وبديلًا منها، علمانية ((الولاية)) من دون وضد علمانية ((الكينونة)) اجتماعية الدولة من دون اجتماعية المجتمع. كائنية الشكل من دون كائنية كائنه، يريد دولة تكون مجتمعًا مع تقرير أن المجتمع يجب أن يبقى ((جماعات)). بل، أحيانًا تأتي قومية الدولة مع ((لا)) قومية المجتمع، من الرأس القومي وعلى اللسان القومي العربي.

على النحو نفسه، المرأة تعطى المساواة المواطنية، وليس المساواة الاجتماعية. تعد مواطنة كاملة ونصف إنسان.

  • أو لنقل نصف رجل.
  • فالإنسان مٌلغى والمنهج الوضعاني السائد على الفكر العربي بألوانه ومدارسه يلغيه. لسان حاله: الرجل موجود المرأة موجود أما الإنسان فغير موجود، إنه تجريد.
  • إذن، ذلك وتلك من الأشياء، وهذا (إنسان) رمز، كلمة وحسب، كلمة تصوته ((ماديًا)) بقوة. في الفكر الحقيقي: امرأة وإنسان ورجل وكل الكلمات هي (رموز لـ أو تعبيرات لفظية عن) مفهومات سمات تعيينات كيفيات عموميات هويات. في اللغة لا يوجد إلا العام، و((هوية)) تعني أولًا: عام العربي هو إنسان كذلك: العامل هو إنسان. وحسن أو حسين أو فاطمة هو إنسان. الهوية الفردة، هوية فرد، هي نتاج عدد من الهويات (العموميات المجردات) لا نهاية له.
  • الـ ((هو)) معناه سقوط المذهبية الأصنافية، وسقوطها في الاتجاهين: لصالح الكلي والمفرد، لصالح الإنسان والفرد، الشخص. الأصنافية ممتنعة عنهما بالتلازم.
  • إنها مقصرة ((جدًا)) في الهوية (التماثل) والفرق (الاختلاف).
  • بلغة الرياضيات، إنها لا تعرف الصفر واللانهاية: ((غير موجود))، أما الأعداد التي بينهما فهي ((موجودة))، بما فيها على الأرجح العدد الذي قبل اللانهاية بواحد أو ((بأكثر بكثير)) والكسور التي فوق الصفر بقليل. أو لعل الجماعات (طوائف، طبقات، سلالات، جنسان) هي الواحدات، لكن بعض الجماعات كسور. أو بما أن الأصنافية لا ترفض ((المجتمع))، ككلمة ومصطلح ((علمي))، لعل المجتمع هو الواحد، لكن الواحد هو حاصل كسوره جميعها: هكذا يكون تعريفه ومفهومه!!
  • باختصار، الأصنافية ليس عندها الواحد، لا فردًا ولا كلًّا، بالتلازم، بتعبير آخر: الأصنافيون قوم لا يوحدون، والأصنافيون أصناف، قومهم أقوام، أممهم استحالة.

أكثرية وأقلية راشد وقاصر

حقوق الإنسان

بين الكسور، ثمة كسران ممتازان، هما ثأر جدل المفهومات المنبوذ من الفكر:

((الأكثرية والأقلية))، الراشد والقاصر.

هكذا ((إيحاء)) اللغة الفرنسية: أكثرية، أقلية، راشد، قاصر.

بلوغ سن الرشد هو بلوغ الـ majorite (أكثرية). والولد القاصر يقال عنه mineur (صغير، أقل، قاصر).

الأقلية قاصرة، الأكثرية راشدة، الراشد أكثر، الطفولة أقل، والمرأة أقل، المرأة قاصر.

في لغة التداول العامة، ولغة أهل الفكر، إن صيغ ((أقلية قومية))، ((أقلية دينية))، ((أقلية مذهبية أو طائفية))، أو أيضًا ((أقليات طائفية ودينية وعنصرية وهلم جرا)) هي ليست فقط غالبة وسائدة بل أيضًا حصرية وطاردة للصيغة المعاكسة (قومية أقلية، طائفة أقلية….) وهذا الأمر يصير منهجًا يغلب الكم على الكيف، إنه منهج المثالية الرياضية أو الحسابية اللازم للمادية الكتلية الشيئية (صفة الأشياء أنها تعد: 6 تفاحات، 4 كراسٍ إلخ): الكم في ((أقلية كذا)) و((أكثرية كذا)) يصير هو الاسم الموصوف، الماهوي substantif يكون الواقع كمًّا أولًا، والكيف تابع له علمًا، بأن مقولة الكيف هي التعبير عن كائنية الكائن، الطائفية و((العمودية)) المتنوعة هي كيف هذا الكائن، هي كيفيات هذا الكون.

فهي كيفيات مختلفة، عند الحديث عن الجماعات بأنواعها والأقليات بأنواعها، المهم أن أميز بين الأنواع، دينية ومذهبية، لغوية، قبلية…. المهم، من وجهة نظر فكر الأمة، بوصفه معرفة نظرية وعملية، تصورًا وتصميمًا، أن أميز جيدًا ما هو بالدرجة الأولى من الكائن وما هو بالدرجة الأولى من المذهب، إذ المطلوب هو رفع (حذف) رهن المذهبة، قيدها، وتضييعها للكائن، وإنشاء تصور، تصميم conception مطابق له، مفهوم concept أمة (مثال أمة) مناسب لهذا الكائن وممكنه وضروريِّه.

إن الكم العربي (مساحة وطن تعداد سكان، ثروات، بترول وغير ذلك، قوم أكثري عربي مسلم سني في المجموع الكبير) جيد.

لكن الأمة ذاتًا وواقعًا لن تأتي من أي كم، قضيتها تحتاج إلى عقل: إن كم الطاقة الفكرية والعملية العربية الموجودة خارج الوطن العربي كبير إلى ما لا نهاية. ونمونا الديمغرافي كبير. في المعرفة، الكم أداة تابعة.

نابليون كان يقول (إنغلز ينقله): إن جنديًا من المماليك يعادل اثنين من الفرنسيين، لكن خمسة فرنسيين يعادلون عشرة مماليك. نحن نراكم الآلات، الأسلحة، المال، الرؤوس، ونسمي ذلك: تنمية، قوة، ثروة، إنسان، نحن لا نعقل. حتى الآن، الفكر العربي لم يضع مقولات: كائن، عقل، واقع، كيف، شكل، روح، إلخ /مقابل/ مادة، أشياء، كم، عدد. الماركسية مسؤولية كبيرة، بعض ((الماركسيين)) يركبون على ((التشكيلة)) الاقتصادية على التاريخية بل ((المادية التاريخية))، هم لا يعرفون كلمة ((شكل)) (يقولون: صورة) ومعنى شكل وتشكل… وكذلك -من جهة أخرى- الإعلام والتعليم: القصف بالأعداد تنكيس لعقل الأمة، تثبيت لشعب بالكامل، لكون بشري كبير، في حال طفولة ومراهقة.

إذا كانت الأمة رشدًا ورشادًا، فالطائفة ليست راشدة، كونها يبلغ سن الرشد في الأمة.

وهو لم يبلغه، نفسيًا، إنه في طور المراهقة والطفولة، تمركز على الأنا، تمثل assimitation من دون مطابقة accommodation، اللعب تملكًا للعالم بتقليصه إلى الأنا ولغته الرمزية الخاصة، ثورة كبيرة في الخيال العجائبي، وفقر مدقع في الخيال العقلي والموضوعي، عدم بلوغ ثالوث الاجتماعية والموضوعية والعقلانية. إقرؤوا كتابًا صغيرًا عن ((سيكولوجية الطفولة والنمو)) (من كتب دور المعلمين الابتدائية، أو من تأليف جان بياجه أو بعض تلاميذه) و((قارنوا)) ذلك تفصيلًا مع ثوارنا الشهيرين، ومع غيرهم كثيرين، ولا سيما مع مفكرين يعدون: يعدون البشر حبًا بـ ((الديمقراطية)) يعدون القراء، الأنصار، ربما الأصوات الانتخابية، والنقود: عالم الاستهلاك، عالم ((الإنتاج))، والسرعة، عالم الكم.

هناك محبون للديمقراطية ((يعرفون)) أن الديمقراطية هي تغليب الأكثرية على الأقلية، هكذا قرؤوا، تعلموا: جملة مستقيمة كالمدفع، ماذا قبلها، ماذا بعدها، أية أكثرية، أية أقلية؟ هذا لم ((يقرؤوه)). مع أن بعضهم خبير بـ ((دساتير البلاد المتمدنة)).

إذًا، لنقل أن الديمقراطية هي في الموقع الأول، تغليب الواحد، مجتمعًا وفردًا، وتغلب ممكن لفرد واحد على إجماع ((المواطنين)). فإذا ما أجمع سكان ((بلد متمدن))، مثلًا فرنسا، وقرروا أن فلانًا من الناس لا يجوز أن يرشح نفسه لأعلى منصب في الدولة، لأنه لا يؤمن بالله أو لأنه يؤمن به، أو لأنه يكره التاريخ الوطني والجبنة الوطنية، والنبيذ الوطني، ويجب أكل الأفاعي السامة، فإن الدستور سيغلب هذا المواطن الواحد على المجموع، من دون ذلك لن يكون هناك المواطن، ولن يكون مواطنون.

وإذا لم يُسرَّ هذا المجموع بانكساره فسيكون عليه أولًا أن يغير الدستور إلى شبه دستور، بتعبير آخر: الديمقراطية تقيم مفهوم الإنسان ومفهوم المواطن، الديمقراطية تقيم الواحد، هذا الواحد الذي ليس عددًا، الديمقراطية تغلب الإنسان والمواطن على الرعية، أو بتغبير آخر: إنها تغلب المواطن وحسب على ((المواطن الصالح)).

الديمقراطية مفهوم، شكل، إعراب، إعلام، مفهوم معقول بمفهومات. منطق قبل أي حساب، ويعقل ويربط كل حساب.

في الديمقراطية، النغم المسلطن، هو مفهوم الإنسان، مفهوم المواطن، هوية، تماثل. المواطن = الوطن. واحد، واحدة، كل، وكل واحد.

أن نرضى بتخفيض 0.01 بالمئة (واحد بالألف) من البشر والمواطنين بمقدار 1بالمئة، هذا معناه واتجاهه ومآله الأخير تخفيض الجميع تخفيضًا لا نهاية له. هذا الزمن صعب، إنه غير طبيعي!

إنه زمن كلي وكوني.

ثمة كلية قهر وجدلية قهر: الأكثرية أقلية، الراشد قاصر، والفحل حريم.

والأمة قاصرة، الأمة أقلية، الأمة حريم.

والمرأة في قلب الموضوع.

عندنا وعند غيرنا وفي العالم المتقدم ـ المرأة ((قاصر))، ((أقلية)) علمًا بأن أرسطو، بعد تخفيضه الممنهج لها، كان يلاحظ بنوع من دهشة، ((مع أنها نصف البشرية!)).

لا يوجد أي معطى علمي طبيعي عن قصورها أو دونيتها، إخضاعها كان عملية قهر تاريخية وحضارية. إنه أرهف وأقبح وجوه تقدم الإنسان وحضارته وثقافته. الكون العربي الإسلامي مطبوع بطابع بطريكي (أبوي) قديم وراسخ. علمًا بأن هناك في الأطراف، حول الصحراء الإفريقية الكبرى، في غربي السودان وجنوبي الجزائر، قبائل مطريكية (أموية): السلطة بين الرجل والمرأة مسألة تاريخية، ليست إرادة الله الأزلية المتجلية في طبيعة أزلية.

بعض الفكر الأوروبي يميل إلى القول: ليس هناك ((فروق)) بين الرجل والمرأة.

وبعض الفكر العربي يعدد ((الفروق)).

لعل الفروق ((أكثر أيضًا. لا نهاية للفروق. ولا نهاية لفروق بين رجل وآخر، بين عربي وعربي، بين فلان وأخيه)).

ولذلك: إنسان، أي: مفهوم كلي، هوية، مساواة، ومساواة في الحق ممكنة وواجبة.

اللغة الفرنسية لا تميز ((إنسان)) و((رجل)). كلاهما homme. و((حقوق الإنسان)) (بالفرنسية) يمكن أن تقرأ ((حقوق الرجل)).

لغتنا تميز، تفرق: إنسان/ رجل، امرأة، ((حقوق الإنسان)) هي، مبدئيًا بلا لبس، حقوق الرجال والنساء المتساوين في البشرية والحق.

لكن اللغة لم تقرر تاريخنا الاجتماعي، ليس هذا شأنها. وتداولنا اللغوي، المرهون بواقعنا وفكرنا وبـ ((مصالحنا)) والراكبة على مباح الصرف والنحو، يجعلنا نقول ونكتب ((البشر)) وفي ذهننا ((الرجال))، ((الجماهير)) وفي ذهننا ((الرجال))، ((العمال))، ((المواطنون))، ((المسلمون))، ((المسيحيون))، ((الأطفال))، وفي ذهننا الذكور الفحول، صنف الأصناف جميعها.

المرأة هي ((رئتنا المعطلة))، كان يقول الشيخ خالد محمد خالد قبل نيف وربع قرن. الرئة المعطلة تنعكس على الرئة الشغالة، والمرض مرض الجسم كله.

من الديمغرافية الملغومة (الكبيرة، العددية) ومسائل التنمية والهجرة، إلى أخلاق الحشمة والفضيلة المشهودة في دنيا العرب معظمها اليوم، مرورًا بالعائلة الموسعة، واللامجتمع واللافرد، إن مسألة النساء حاكمة.

هذا الكتاب شاهد. إنه دراسة ((في الميدان)) قامت بها امرأة فرنسية، مفكرة حقيقية، ناقدة، وسائلة.

فالمرأة، والإنسان كله، في السؤال.

إذًا، خاتمة، لنذكر أن ((المجتمع المدني)) البالغ تمامه في المجتمع البرجوازي ليس نهاية التاريخ وغايته، ولا يمكن أن يكون؛ إن مشروع ماركس هو تجاوزه إلى ((المجتمع الإنساني)) أو ((المؤنسن))؛ أن قضية ومعضلة هذا ((المجتمع الإنساني)) أصبحت راهنة وملحة كونيًا؛ بمثل قضية ((المجتمع المدني)) أصبحت راهنة وملحة لنا ولغيرنا من الشعوب، ولا سيما لشعوب الحضارة والتأخر المستنقعة؛ إن ((الإنسان السياسي)) (= الاجتماعي) بمعنى أن أرسطو، يتراجع امتداده في الغرب وفي العالم، أمام إنسان الاستهلاك والفرد المعزول في الجمهور الكتلة، تراجعًا يقيم قاعدة كبيرة لقهر شمولي؛ وإن ((قضية النساء)) علاقة الرجل والمرأة، العلاقة الأكثر طبيعية وروحية، الأكثر اجتماعية وتاريخية، هي قضية القضيتين: الإنسان.

  1. () ملاحظة نقلتها في كتابي، الماركسية والشرق، دار الطليعة.
  2. () بحسب ماركس. انظر بلتيه وغوبلو: المادية التاريخية وتاريخ الحضارات، دار الحقيقة، في 1980.
  3. () ((مكر العقل (مكر الله) مبدأ هيغل، ويصفق له لينين. بدونه، لا وجود لفكر يمكن أن يدعي ((مادية تاريخية)) انظر: لينين، الدفاتر الفلسفية، خلاصة ((دروس فلسفة التاريخ)) لهيغل، دار الحقيقة.
  4. () وأحيانًا ((يتجاوزها))، عادًّا إياها مخلفات أو بقايا عصر ماض.
  5. () فكرة الطبيعة ((طبيعة الأشياء)) إلخ، مفقودة من الذهن العربي الحاضر، كأنه لا يعرف اليونان، أوروبا الحديثة (ق.16- 19) وابن خلدون.

 

  • هذه المادة هي مقدمة إلياس مرقص لترجمته كتاب (المرأة في العالم العربي) لجولييت مانس.

مشاركة:

Facebook
X
LinkedIn
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Author

احصل على آخر التحديثات

تابع رسائلنا الاسبوعية